تبشيع العدو

تبشيع العدو
بلال الصباح

عند التركيز على إبراز الجوانب السلبية أو السيئة لدولة معينة، وذلك عبر تسليط وسائل الإعلام والدعاية لنشر حقائق مخفية، والتي قد تكون أحياناً مغلوطة أو مبالغ فيها، فإنه يمكن التعبير عن هذا السلوك بمصطلح "تبشيع العدو"، والذي يعني تشويه الصورة أو تشويه السمعة.

عمليات التبشيع ظاهرة معقدة ومتنوعة، وقد يتم توجيهها نحو دول معينة لأسباب تتعلق بالسياسة، والاقتصاد، والصراعات العرقية، والدينية، كوسيلة لتحقيق تأثير سلبي يؤثر على تصوّر الناس حول تلك الدولة، مما يجعلها تظهر في نظر الجمهور بشكل أكثر سوءاً مما هي عليه في الواقع.

وعلى الرغم من أن استخدام حقوق الإنسان في الدعاية والتبشيع قد يكون له جانب إيجابي في كشف الانتهاكات والضغط لتحقيق التغيير، إلا أنه يمكن أيضًا أن يتحول إلى أداة للتلاعب السياسي وتبرير العمليات العسكرية أو السياسات المشبوهة.

في السياقين الشرقي والغربي، يتجلى التبشيع في استراتيجيتين متباينتين؛ المعسكر الشرقي انتهج تبشيع عدوه من خلال ترهيب شعوب العالم الثالث من مناهج الغرب. وقد ظهر ذلك بوضوح في تبرير روسيا لغزوها لأوكرانيا، حيث حاولت إظهارها كمحاولة لإنقاذ أوكرانيا من بشاعة الهيمنة الفكرية الأمريكية على العالم.

من جهة أخرى، يتبع المعسكر الغربي استراتيجية مختلفة، حيث يعتمد على تبشيع عدوه من خلال الترويج والتباهي بمناهجه الحقوقية، وخاصة في مجالي النظم القانونية والحريات. وبالتالي، تتفاخر أمريكا بدعمها لأوكرانيا عن طريق تبشيع تطبيقات روسيا للقوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.

لا يمكن اعتبار أحد المعسكرين أفضل من الآخر، فكل منهما يحمل مزايا وعيوب، سواء على المدى القصير أو البعيد. ومع ذلك، يتطلب الأمر فهم بعض أساليب التبشيع المستخدمة في الشرق الأوسط بعدما امتزجت بالتطبيقات الروسية والأمريكية.

على سبيل المثال، تمثل ثقافة الشعور بالظلم جزءاً أساسياً من الهوية الإيرانية، وهي الأكثر تناغماً مع المنهج الشرقي في تبشيع العدو، من حيث التوافق على الخوف والحذر من الحضارات العابرة.

وبعد أن تحولت ثقافة المظلومية في إيران إلى منظومة سياسية معادية للغرب، أصبحت إيران بيئة خصبة لجميع التيارات الشيوعية واليسارية والقومية والإسلامية في المنطقة العربية، حيث يشترك هؤلاء في القلق من السياسات الغربية.

مثال آخر، حركة حماس اعتمدت منهجية التبشيع من المعسكر الشرقي، وتحديدًا من إيران، حيث تظهر في تشويه صورة إسرائيل عبر التركيز على بشاعة أفعالها في الحروب، حيث تتباهى حماس بانتصارها بالمعاناة والظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون في زيادة حجم الدمار في قطاع غزة.

حيث من الواضح أن فلسفة تبشيع العدو التي تتبناها حماس لم تعد تهدف بالأساس إلى إقامة دولة فلسطينية، بل هي وسيلة لإقناع المجتمع الدولي بأن إسرائيل هي دولة متطرفة وغير آمنة للفلسطينيين.

وهذا يُعتبر من أبرز تناقضات المنهج الشرقي، حيث يدعي الانتصار والمظلومية في الوقت نفسه، على الرغم من أن التخلص من المظلومية هو المؤشر الأول للتحرر والانتصار.

كما أن المؤشر الأول للانتصار في الغرب هو تحرير الشعوب من الحروب غير المقننة وحماية الإنسان وصون حقوقه، وإسرائيل تعتبر نفسها جزءًا من الغرب الأمريكي التي فشلت في تبشيع حركة حماس؛ لأنها جعلت الشعب الفلسطيني يتحمل مسؤولية أفعال هذه المليشيا.

وهذا ما وضع المجتمع الدولي في موقف حساس بين الحفاظ على مبادئ حقوق الإنسان وبين تحليل الحقائق بشكل موضوعي دون التأثر بالتبشيع السياسي المتبادل بين المدرستين الشرقية والغربية.

ربما أدركت حماس بأن تبشيعها لإسرائيل تسبب في خسائر أكبر من الفوائد المحتملة، وأن إظهار الوجه البشع للعدو يتطلب إدارة متكاملة، فالتبشيع هو معركة الأقوياء، وليس للضعفاء أن يستفيدوا من هذه المعركة.

على الرغم من أن استخدام منهجية التبشيع قد يكون مبرراً لكل الأطراف المتصارعة، إلا أنه يجب أن يتم التعامل معها بحذر وعدم الانجرار لها بطريقة عمياء. ففي ظل الظروف الحالية في قطاع غزة، أصبح واضحاً أن التبشيع غير المدروس كان سبباً وراء تدمير البنية التحتية، وأن تشريد المدنيين في قطاع غزة كان تبشيعاً غير متوقع للشعب الفلسطيني على الصعيدين العربي والعالمي.
 


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية